Search
التعليق على خبر “اكتشاف” مخطوطة قرآنية قديمة في جامعة برمنجهام

التعليق على خبر “اكتشاف” مخطوطة قرآنية قديمة في جامعة برمنجهام

Embed from Getty Images

أعلنت جامعة برمنجهام على موقعها الرسمي بتاريخ 22 يوليو 2015 عن نتائج إجراء الفحص الكربوني المشع لواحدة من المخطوطات القرآنية القديمة التي تحتفظ بها مكتبة الجامعة في قسم الشرق الأوسط ضمن أرشيف القس الكلداني ألفونس منجانا (1878-1937). وقد حقق هذا الخبر انتشاراً إعلامياً واسعاً في الصحافة الغربية وتفاعل معه الكثير من القراء على شبكات تواصل الإجتماعي. 

أما عن ردود الأفعال من جانب جامعة برمنجهام، فقد علقت سوزان واريل مديرة المجموعات الخاصة بالجامعة بأن الباحثين لم يكن يخطر ببالهم أبداً أن المخطوطة قديمة إلى هذا الحد وأضافت بأن امتلاك الجامعة صفحات من المصحف قد تكون هي الأقدم في العالم كله أمر في غاية الإثارة. كما وصرح ديفيد توماس أستاذ المسيحية والإسلام في الجامعة بأن ناسخ المخطوطة – استناداً إلى نتيجة الفحص الكربوني – لابد أنه عرف النبي محمد، وربما رآه واستمع إلى حديثه، وربما كان مقربا منه، وهذا ما يستحضره هذا المخطوط.([1])

ومخطوطة جامعة برمنجهام (Arabic 1572a) عبارة عن ورقتين مكتوبة بخط حجازي أو مائل وتحتوي على آيات من سورة الكهف ومريم وطه. لقد ظلت هذه الأوراق لفترة طويلة مُختلطة خطأً مع مخطوطة أخرى مكونة من سبعة أوراق، ويعود الفضل إلى ألبا فضيلي المشاركة في قسم المنح النصية والتحرير الإلكتروني التي أدركت الأهمية العلمية لهذه المخطوطة ورشحتها لفحص الكربون المشع.([2])

وجائت نتيجة الفحص الكربوني المشع C14 التي أجريت في أحد مختبرات جامعة أكسفورد إلى أنه من المرجح بنسبة 94.5% أن تكون المخطوطة قد نشأت في الفترة من 568م إلى 645م([3]) = 56 قبل الهجرة إلى 24 هجرية. ومعلومٌ أن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في عام 610م وحضرته الوفاة في عام 632م، فعلى هذا تكون المخطوطة من العهد النبوي أو على أقصى تقدير من فترة الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه.

هذا المقال عبارة عن تعليقات مختصرة على الخبر وتقييم لردود الأفعال عليه، وسيكون هناك مقال مفصل لدراسة أوراق هذه المخطوطة القرآنية وتحليلها علمياً، قريباً إن شاء الله.

  1. المخطوطات القرآنية تكون في الغالب ضمن أرشيف مكتبة حكومية أو جامعية، فالحاصل أنه يتم التعرف على المخطوطات القرآنية المهمة، بالأخص المكتوبة بالخط الحجازي أو المائل، ومن ثم إخضاعها لفحص الكربون المشع، فلا يعتبر الأمر اكتشافاً بهذا المعنى، لكن ضمن صياغة الخبر الصحفي يتم استخدام عبارة “اكتشاف” كذا أو “العثور” على كذا. ومخطوطة جامعة برمنجهام تمت رقمنتها ونشرها على قاعدة بيانات الجامعة منذ عام 2009 تقريباً. 
  2. كان بالإمكان نشر نتيجة الفحص الكربوني في دورية علمية محكمة بحيث ينحصر أمر الاطلاع على هذه النتيجة على المتخصصين والمهتمين فقط، إلا أن جامعة برمنجهام أرادت مشاركة هذا الخبر مع الجميع، قراء عاديين ومختصين، وهذا الذي يفسر تفرد الـ BBC بنشر الخبر في بادئ الأمر قبل حتى أن تنشر الجامعة بياناً صحفياً ومن ثم تدريجياً باقي المواقع الإخبارية. والإشكال في ذلك هو أن التعامل مع الخبر ينخفص من المستوى الأكاديمي للمستوى الشعبي بحيث يستطيع الكل بخبرته الكوديكولوجية والباليوجرافية التي لا يشق لها غبار أن يفتي فيه! 
  3. نتيجة الفحص الكربوني – كما مر معنا – تقول إنه من المرجح بنسبة 95.4.% أن تكون المخطوطة قد نشأت في الفترة من عام 568 إلى عام 645م = 56 ق.هـ إلى 24 هـ تقريباً. نظرياً تم تأريخ الرق وليس الحبر لأن قياس عمر الحبر صعب للغاية، وعلى افتراض إن الفترة بين إعداد الرق والكتابة عليه كانت قصيرة ممكن نقول إن المخطوطة كتبت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقد أو عقدين، لكن احتمالية تأخر الكتابة مطروح كذلك. في النهاية، الفحص الكربوني عامل مساعد لا أكثر. بعض الخبراء في المخطوطات الذين علقوا على الخبر كالدكتور بشير الحميري قدر فترة كتابة المخطوطة بنهاية القرن الأول الهجري. 
    وبغض النظر عن التاريخ الآن، فتحليل المخطوطة نفسها من حيث الرسم، القراءات،عد الآي، النقط والشكل وفواتح السور، وغيرها من المسائل العلمية = نتائجها ستكون مفيدة جداً وستثري معلوماتنا عن هذه المواضيع، ولا يعرف قيمة هذه الأشياء إلا المشتغلين بها.
  4. نتائج الفحوص الكربونية التي أجريت مؤخراً([4]في كل من جامعة ليدن وتوبنجين وغيرها، وظيفتها أن تستخدم ضمن مشروع أكثر شمولية يدرس القرآن الكريم متبعاً منهجاً فيلولوجياً وهو مشروع “كوربوس كورانيكوم” Corpus Coranicum الذي انطلق عام 2007 في أكاديمية برلين براندنبيرغ للعلوم الإنسانية. هذا المشروع لديه وحدة خاصة بالمخطوطات القرآنية تهتم بتأريخ المخطوطات مستعينة بالأدوات التقليدية والتقنيات التكنلوجية الحديثة. 
  5. الفحوص الكربونية التي تعطي تاريخاً مبكراً تغذي النقاش السائد في الدوائر الاستشراقية عن “الجمع المبكر” للقرآن الكريم بحسب المصادر الإسلامية أمام فرضية “الجمع المتأخر” التي بتناها عدد من الباحثين الغربيين من المدرسة التنقيحية. الفحوصات من هذا تعطي غالباً مصداقية للمصادر الإسلامية عن جمع القرآن محرجة الطرف الأخر المشكك. والطريف أن بعض المنقحين اتجه لاستخدام نتيجة فحص كربوني معملي تم في ليون (تم التشكيك فيه أصلاً!) ليقول باحتمالية إن القرآن يسبق النبي محمد والإسلام نفسه!. 
  6.  تعليقات الدكتور أيمن سويد على الخبر([5]) ضعيفة من الناحية العلمية وهو وضع شروطاً لو طبقها الإمام الداني – مثلاً – لما نقل لنا شيئاً من ظواهر الرسم في المصاحف التي رأها بعينه، فهل كان رحمه الله يدري ما اسم الناسخ ودرجة عدالته عند النقل؟!
    يقول أستاذنا إياد السامرائي حفظه الله: 
    (فالمصاحف المخطوطة هي المصدر الأساس لعلم الرسم، وعليها مدار التأليف في الهجاء، وأنهم يعاضدون الرواية عن العلماء بما تأملوه في المصاحف الخطية العتيقة، بل ربما استندوا إليها في الترجيح عند اختلاف أئمة الرسم في رسم كلمة ما، أو رجعوا إليها إذا عدموا الرواية في وصف هجاء كلمة ما)([6]) ا.هـ 
    وأفضل من تفاعل مع الخبر من المختصين وأصل له بطريقة منهجية هو الشيخ مساعد الطيار([7]) حفظه الله وهو يغني عن غيره، فليراجع. 

وكتبه أحمد وسام شاكر 

9 أغسطس 2015 


الهوامش: 

[1]  شون كوغلان، العثور على صفحات من إحدى “أقدم” نسخ المصحف في جامعة برمنغهام، بي بي سي، 22 يوليو 2015. رابط المقال:  http://www.bbc.com/arabic/artandculture/2015/07/150721_uk_birmingham_koran

[2] Birmingham.ac.uk, (2015). Discovery of ancient Qur’an fragment. [online] Available at: http://www.birmingham.ac.uk/research/activity/itsee/news/2015/quran-discovery.aspx [Accessed 1 Aug. 2015].

[3] Birmingham.ac.uk, (2015). Birmingham Qur’an manuscript dated among the oldest in the world. [online] Available at: http://www.birmingham.ac.uk/news/latest/2015/07/quran-manuscript-22-07-15.aspx [Accessed 1 Aug. 2015].

[4] وعن هذه الفحوص الكربونية انظر: أحمد وسام شاكر، التحليل الكربوني المشع (C14) للمخطوطات القرآنية القديمة، مقال منشور على المدونة (أبريل 2015). 

[5] مقطع صوتي منشور على يوتيوب بتاريخ 22 يوليو 2015 :

https://www.youtube.com/watch?v=5o0qpKgCDR4

[6] من اللقاء الذي أجريناه مع الدكتور وهو منشور في مجلة الدراسات الدينية، العدد الثاني، جمادى الآخرة 1436هـ، (ص: 61-66). وتوجد نسخة نصية من اللقاء منشورة على المدونة (هنا)

[7] انظر: (مقالة في المصاحف المخطوطة) للدكتور مساعد الطيار وهي منشورة على موقعه بتاريخ 2015/07/27. رابط المقال: http://www.attyyar.net/container.php?fun=artview&id=542

Written by
Ahmed W. Shaker

Leave a Reply

2 comments
  • لا أفهم ما الإشكال في كلام الشيخ أيمن؟
    ألم ينق الداني وغيره من علماء الرسم ما رأوه في المصاحف العثمانية؟…وهي معلومة الناسخ
    او مما نسخ عنها واعتمد…وعندها يكونون بلا شك على علم بمن نسخها

    • السخاوي على سبيل المثال عندما نقل من مصحف عتيق قال “يغلب عليه الظن” أنه مصحف عثماني أو منسوخ عنه وهذا يدل على عدم تحقق الشروط التي ذكرها الدكتور أيمن، وحتى دراسات المعاصرين للرسم اليوم كالدكتور الحمد فهم يدرسون مصاحف ليس فيها اسم الناسخ ولا يعرفون درجة عدالته بل أغلب الظن لديهم أن المصحف الذي في المشهد الحسيني مثلاً إما منسوخ من مصحف عثماني أو من نسخة نسخت عنها ومرد ذلك إلى التشابه عند مقارنته بما ورد عن اختلاف مصاحف الأمصار في كتابة بعض الكلمات القرآنية.

QMSB

Ahmed W. Shaker

Researcher and Editor-in-Chief of Quran Manuscripts Studies Blog