
من المخطوطات القرآنية المبكرة المعروفة للباحثين اليوم “طِرس” قرآني عُثر عليه في سقف الجامع الكبير بصنعاء في سبعينيات القرن الماضي، مع مجموعة أخرى من الرقوق القرآنية المبكرة بالخطين الحجازي والكوفي، وصار محل اهتمام عدد لا بأس به من العلماء والباحثين نظراً لطبيعته الفريدة بالنسبة لأي مخطوط قرآني آخر، من الناحية الكوديكولوجية والنصية. والطِرس هو رقّ أخفِي نصّه الأصلي، بالحك أوبالغسل أو بغير ذلك، لنسخ نص جديد. كلا النصين قرآنيين، مع ذاك يعتقد أن النص التحتي (inferior text) يعود إلى فترة مبكرة من القرن الأول الهجري، أما النص الفوقي (superior text) فربما من أواخر القرن الأول أو بداية القرن الثاني.
ويعرف هذا المخطوط القرآني المبكر بعدة مسميات، منها “طِرس صنعاء” Sana’a Palimpsest، “مصحف صنعاء 1“، أو برقم الحفظ في دار المخطوطات 01.27.1 DAM، وتتوزع أوراقه بين دار المخطوطات (36 ورقة)، المكتبة الشرقية الملاصقة للجامع الكبير (40 ورقة)، وبِضع أوراق بيعت في مزادات علنية مثل دار كرستي وسوثبي وغيرها (4 أوراق). والمجموع، إذن، ثمانون (80) ورقة مكتوبة بالخط الحجازي أو المائل.
والجديد هو اكتشاف ورقة قرآنية أخرى في متحف اللوفر أبو ظبي الذي افتتح عام 2017؛ تعرف عليها الباحث أحمد وسام شاكر وتبين له بعد قراءة آياتها وإجراء المقارنات، أنها تتضمن في – صفحتها المعروضة – الآيات 18-32 من سورة المائدة التي تنتهي عند قوله تعالى “من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل” (ويفترض وجود باقي الآية في الورقة التي تليها “الناس جميعاً ومن أحياها…“، وهو ما تم إثباته بالفعل) وبعد مراجعة جدول السور والآيات في الطِرس، تبين أن الورقة المعروضة في اللوفر أبو ظبي تغطي الآيات 9-32 من سورة المائدة والتي كان يفترض فقدانها في هذا المخطوط، وهو ما يعد أمر مثيراً للغاية إذ ما كنا نفترض عدم وجوده أو ضياعه صار الآن معلوماً بالنسبة لنا.
وقد أكد محسن جودرزي – وهو باحث سبق له دراسة أوراق هذا المخطوط مع بهنام صادقي – صحة هذا الاكتشاف.
My God. My heart just stopped. This must be from Sana’a 1. The uppertext of Christies 2008 folio runs up to Q 5:9, and one of the Eastern Library folios (image below from Hamdoun’s thesis) begins with Q 5:32 (with al-nās jamī’an) so this folio would fit exactly between them. pic.twitter.com/K5S3jlbglx
— Mohsen Goudarzi (@MohsenGT) October 17, 2018
وأضاف محسن أن هذا يعني وجود أوراق أخرى محتملة خارج دار المخطوطات اليمنية والمزادات العلنية.
وقال شون أنثوني – وهو مؤرخ وأستاذ جامعي – إلى أن الوقت حان للتواصل مع أحد أمناء المجموعات في اللوفر أبو ظبي لمعرفة المزيد منهم بخصوص هذه الورقة القرآنية.
Time to contact the curators, I think. I’m going to do some follow up to see if anyone else noticed this before @shakerr_ahmed and/or if anyone is working on it.
— Sean W. Anthony (@shahanSean) October 17, 2018
يمثل هذا الكشف إضافة رائعة للبحث العلمي، ويطرح احتمالية العثور على أوراق أخرى من نفس هذا المخطوط القرآني مسقبلاً، على أننا ما زلنا نجهل متى وكيف وصلت هذه الورقة إلى متحف اللوفر أبوظي؟ وهل أشتريت عبر مزاد علني أم بطريقة أخرى؟ ولعل الأيام القادمة تكشف لنا المزيد من الأجوبة.
(والطِرس هو رقّ أخفِي نصّه الأصلي)
هذه جملة خاطئة يقصد فيها الطعن في نقل القرآن، لأن كلمة: أخفي، كأننا لا نريد أن يظهر فأخفيناه، وهذا خطأ.
والذين في قلوبهم مرض يطعنون في نقل القرآن من مثل هذا الكلام، والغريب أنهم يحكمون على أن النص المخفي أقدم كتابة من النص الظاهر، وهذا غير صحيح بل هما متقاربان جدا، وقد يكونان من كاتب واحد،
والسبب في ذلك بسيط جدا، وهو أن الكاتب كتب أولا ثم تبين له بعد المراجعة أنه قد أخطأ في عدة مواضع، فمسح ما كان كتب، ثم أعاد الكتابة على الصحيح، فما العيب في ذلك، وما الخطأ فيه.
وهب أنه كتب بعده بفترة، بعد أن قرأه من يحفظ فتبين كثرة الخطأ فمسح الرق، وأعاد الكتابة على الصحيح، ولا إشكال في ذلك إلا لمن أراد أن يطعن في نقل القرآن.
أما مسألة ظهور بعض أوراق من مصاحف في أماكن متختلفة غير مكانها الأصلي فهذا من خيانة من يتولى حفظ هذه الرقوق، وقلة أمانته، فقد يتصرف بالبيع مع قلة الحسيب والرقيب عليهم.
وأشكر الأستاذ أحمد شاكر على نقله هذه المعلومات هنا، ونحن نحتاج إلى مثل هذه المقارنات كثيرا.
مرحبا د. بشير،
شاكر لك ملاحظاتك، وبخصوص تعريف الطرس فلا يخفى عليك أن من أشرت إليهم لا يدركون هذه الفروق التقنية. فالطرس هو مخطوط أعيد استخدامه، بعد غسله، للكتابة عليه مرة أخرى وقد يعاد غسله عدة مرات لنفس الغرض، ومثل ذلك شائع في العصور القديمة لغلاء أثمان الجلود. والحقيقة أن مخطوطات القرآن الكريم المكتشفة لي صنعاء ظلمت بسبب التغطية الإعلامية من غير متخصصين والسرقات التي تعرضت لها، ورحم الله القاضي إسماعيل الأكوع الذي لولا حرصه وتوفيق الله له ما رأينا هذه المخطوطات تصان وترمم وتعرض للناس.